عزيزي أ،
لا تعلم بالطبع أحوالي بعيداً عن الرسائل التي أكتبها. فخطر لي أن أكتب اليوم ما يليق بجواب للسؤال الذي تسأله دائماً: كيف حالك اليوم؟
لأبدأ بالعودة، إلى المكان الذي أعتقد أنه يليق بي.
ما تغيّر اليوم هو موت الكثير مما كان نابضاً في زمنٍ ما. التوق لشيءٍ ما، اللهفة وترقّب حدثٍ ما، انتظار مارس وعيد مولدي، البهجة بصدفة عابرة لشخص يعنيني، التلذذ بوجبة أشتهيها، السعادة بيوم غائم وأجواء تشبه المطر، رسالة نصية منتظرة، كلها أمور لم تعد ذا أهمية، فقدت الحياة التي كانت تبثّها فيّ، لتصبح كهذا بلا معنىّ، بلا أي صوت في ذاكرتي.
البهجة بالتفاصيل الصغيرة تضمحل مع اضمحلال دواخل البشر حولك، وبخاصة دواخل الأشخاص الذين كانوا يعنوا لك الكثير. أو ربّما هي علامة أنك تكبر أضعاف أعوامك كل عام، فتفقد البهجة بكل شيء لأنك أكتفيت، أو لأنك تحمل أحزان العالم وأوزاره فوق كتفيتك، فلا تستطيع أن تبتهج دون أن تلتفت أن العالم القابع فوق ظهرك يتلوى من الألم، فكيف لك بأي وجه حق أن تدير ظهرك له و تستدير للعالم الصاخب؟
أيحق لي أن أطرح هنا سؤالاً سخيفاً؟ هل إنسانيتي أخذت مني حق الاحتفاء بالتفاصيل الصغيرة؟ أتعتقد أني أنانية كفاية لألقي باللوم على الإنسانية التي تحيا داخلي ولا تغفل لحظة لتذكيري إنّه ليس لي الحق أن أنسى أنّي إنسان؟ مع أنّي أحاول أن أخفي ذلك الجانب قدر الإمكان (لكني أبدو كخرقاء تبالغ بكل شيء)، إلا أني أعتقد أنك بحاجة لتعرفه الآن أكثر من أي وقتِ مضى لتكف عن إحراجي حين تسألني كل مرة أشحب فيها: كيف حالك اليوم؟ "الإنسان" فيّ يقظ كأم يبكي وليدها وينشج وليس بمقدورها إسكاته مهما حاولت، تحاول وتحاول بلا أي جدوى، فلا يتحدث لتعرف ما ألّم به، ولا يعرف كيف يخبرها ما يريد، وكهذا هي الحال طوال الليل، فلا تستطيع إسكاته ولا تقدر على النوم.
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.